كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهو مذهب أكثر الأئمة.
يقتضي قوله تعالى: {وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} أنّ الرضاع يحرّم ولو في سن الكبر، إلا أن قوله تعالى: {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ} [البقرة: 233] بيّن زمن الرضاعة، فذهب العلماء إلى أنّ من أرضع خارج الحولين لا يكون ابنا من الرضاعة، وأكد هذا ما روي عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء من الثدي، وكان قبل الفطام» رواه الترمذي والنسائي.
وقد رأت عائشة أنّ رضاع الكبير محرّم، للحديث الصحيح عنها قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه إنا كنا نرى سالما ولدا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فضلا، وقد أنزل اللّه سبحانه وتعالى فيهم ما علمت، فكيف ترى يا رسول اللّه فيهم؟
فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: أرضعيه خمس رضعات يحرم بها، فكانت تراه ابنا من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة تأخذ.
وأباه سائر أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وقلن: واللّه ما نرى ذلك إلا رخصة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسهلة.
3- {أمهات نسائكم}: وهنّ أمهات الزوجات.
4- {ربائبكم}: اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن:
والرائب جمع ربيبة، فعيلة بمعنى مفعولة، من قولك ربّها يربّها، إذا تولّى أمرها، وهي بنت الزوجة من غيرك، وسميت بذلك لأنّ زوج أمها في الغالب يتولّى أمرها. ومقتضى ظاهر التلاوة أن الربيبة لا تحرم على زوج أمها إلا بشرطين:
أولهما: كونها في حجره.
ثانيهما: أن يكون دخل بأمها.
أما الأول: فلم يشترطه جمهرة العلماء، قالوا: إنه خرج مخرج الغالب، لا أنه قيد في التحريم.
والربيبة حرام على زوج أمها سواء أكانت في حجره أو لم تكن في حجره.
وروى مالك بن أوس عن علي أنها لا تحرم حتى تكون في حجره، أخذا بظاهر القرآن.
ولكنّ سائر الصحابة وعامة الفقهاء على القول الأول.
وأما الثاني فهو متفق عليه، إلا أنهم اختلفوا في الدخول فقال الطبري والشافعي:
إنه الجماع، وقال مالك وأبو حنيفة: هو التمتع من اللمس والقبلة، وقال عطاء وعبد الملك بن مروان: هو النظر إليها بشهوة.
وقد اختلف العلماء في الدخول: أهو شرط في تحريم أمهات النساء، كما هو شرط في الربيبة، أم ليس شرطا فيهن؟
فروي عن علي، وجابر، وابن الزبير، وزيد بن ثابت، ومجاهد، أنه شرط فيهن، فلا تحرم أمّ الزوجة بالعقد، بل بالدخول بها.
قال سائر العلماء: إنه ليس شرطا فيهن.
وسبب الخلاف اختلافهم في قوله: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} أهو وصف لنسائكم من قوله: {مِنْ نِسائِكُمُ} فقط أم هو وصف لها ولنسائكم من قوله: {وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ}.
وقد احتجّ الأولون بأنه لو كان لهما للزم أن يكون وصفا لمعمولي عاملين مختلفين، لأنّ إحداهما العامل فيها الإضافة، والأخرى العامل فيها حرف الجر، وذلك منعه البصريون كالعطف على معمولي عاملين مختلفين، وهذا الاستدلال لا يصح، لأنّ هذا أجازه الكوفيون.
والأولى أن يقال: إنه يحتمل أن يكون ذلك شرطا في تحريم الربيبة فقط، وأن يكون شرطا في تحريم أمهات النساء أيضا، ولا تحلّ الفروج بالاحتمال، فالاحتياط يقضي أن يجعل شرطا في الربيبة فقط.
5- {حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم}:
الحلائل جمع حليلة، فعيلة بمعنى مفعلة أي محلة.
حرم اللّه على الأب زوجة ابنه، كما حرم على الابن زوجة أبيه {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ}.
وقد أرسلها اللّه فلم يقيدها بالدخول، فيعلم أنها تحرم على الأب بمجرد عقد الابن عليها، وقيد اللّه الأبناء بالذين من أصلابكم ليخرج الابن الدعيّ، فهذا تحل حليلته لمن تبناه، وذلك فائدة التقييد.
وقد كانت العرب تحرّم زوجة الابن بالتبني على من تبنّاه، فأحلّها الإسلام، وتزوّج النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم زينب بنت جحش زوج زيد بن حارثة الذي تبناه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، تزوجها بعد أن طلقها زيد، فقالت العرب: تزوّج محمد امرأة ابنه، فنزل: {فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَرًا زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ} [الأحزاب: 37] وقوله: {ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] ونزل في ذلك أيضا: {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}.
فإن قيل: إنّ هذا القيد يخرج الابن من الرضاع كما يخرج الابن بالتبني.
قيل: إن الابن بالرضاع حرمت حليلته بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب».
وقد رأى الفخر الرازي أنّ اسم الحليلة كما يشمل الزوجة يشمل الأمة، لأنها أيضا تحلّ، فقوله: {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ} يفيد حرمة أمة الابن أيضا.
وذهب الحنفية إلى أن اسم الحليلة خصّ عرفا بالزوجة، فلا تكون داخلة في الآية، ولا تحرم على الأب بمجرد ملك الابن إياها، بل بالوطء.
6- {وأن تجمعوا بين الأختين}:
حرّم اللّه أن يجمع الرجل بين الأختين في النكاح، وقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} في تأويل مصدر معطوف على {أُمَّهاتُكُمْ}.
وقد رأى علي في بعض الروايات عنه أنه يحرم الجمع بينهما بملك اليمين أو إحداهما بنكاح والأخرى بملك اليمين، وحجته أن اللّه حرم الجمع بين الأختين، وهذا يشمل الجمع بينهما بملك اليمين.
وذهب الفقهاء إلى جواز الجمع بينهما بملك اليمين، أو بزواج من إحداهما وملك الأخرى، ولا يجوز له إلا وطء إحداهما، فإذا وطئها حرمت عليه الأخرى، وحجتهم أنّ الجمع المذكور هنا هو الجمع في النكاح.
ذهب مالك والشافعي إلى أنه إذا طلّق الأخت طلاقا بائنا حلّت له أختها، ولو لم تخرج من عدتها، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا تحلّ له أختها حتى تخرج الأولى من عدتها.
ودليل الأولين أنّ اللّه قد حرم الجمع، ولا جمع إذا أبان الأولى، لأنها بإبانتها انتفت الزوجية، بدليل أنه لا يصح له وطؤها، وإذا وطئها حدّ.
ودليل أبي حنيفة أن الأولى محبوسة عليه للعدة، والثانية محبوسة عليه أيضا بالزوجية، فقد جمع بينهما في الحبس.
والظاهر ما ذهب إليه الإمامان مالك والشافعي، لأنّ اللّه حرّم الجمع في الزوجية، ولا زوجية للبائن.
وقوله: {إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} يقال فيه ما قلناه في مثلها قريبا.
{إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا} ولذلك لم يؤاخذهم بما كان منهم من الجمع بين الأختين فيما سلف في الجاهلية، وحكمة تحريم من حرّمن وأبّد تحريمهنّ. إما من النسب، فإنّه لما اقتضت طبيعة الوجود تكوين الأسرة، وكانت الأسرة محتاجة إلى الخلطة والمعاشرة، فلو أبيح من ذكرنا من المحارم، لتطلعت إليهنّ نفوس محارمهنّ، وكان فيهنّ طمع، والخلطة تسهل السبيل، فيكثر الوقوع في الفاحشة، والطبائع جبلت على الغيرة، فيغار الرجل من ابنه على أمه وأخته، ووقوع الفاحشة يدعو للمنازعات والمخاصمات والشغب وحدوث القتل، وحجز بعض المحارم عن بعض فيه مشقة وغير متيسر، فأبّد اللّه تحريم الزواج بالمحرمات من النسب ليسد باب الطمع، وإذا سدّ باب الطمع انتفت خواطر السوء، فلا يقع الفسوق الداعي إلى النزاع والخصام.
ولمثل هذه العلة حرّمت المحرمات من الصهر، فإنّ المرأة تحتاج أمّها وبنتها أن تزورها في بيت الزواج، لو لم يجعلا محارم لتطلعت إليهنّ نفس الزوج وكان ما يترتب على ذلك من المفاسد.
وأيضا الضرورة داعية إلى أن يتزوج الأباعد من الأباعد، لأنّه ليس لكل امرأة قريب ذكر يتزوج بها، فلو لم تكن هذه الحرمة مؤبدة لشغلت الخطيب الوساوس أن يكون أبوها أو أخوها هتك عفتها، ولهذه الحرمة المؤبدة يتزوج الرجل امرأة وهو مطمئن إلى عفافها، وآمن من أن يكون أبوها أو أخوها أو من هو شديد الخلطة بها من أبناء إخوتها سلب عفتها.
وإنما حرّم الجمع بين الأختين لأنّ الضرائر يكون بينهن من الكراهة والبغضاء ما هو معلوم، فلم يشأ اللّه أن يعرّض أرحام الأختين للقطيعة بتجويز كونهما ضرتين، يتغايران ويتباغضان، وكذلك القول في المرأة والخالة، والمرأة والعمة، وكذلك كل امرأتين لو جعلت إحداهما ذكرا حرّمت على الأخرى.
تحريم ذوات الأزواج:
قال اللّه تعالى: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}
المحصنات عطف على {أُمَّهاتُكُمْ} فهنّ من المحرمات.
مادة (ح ص ن) تدلّ على المنع، ومنه الحصن، لأنه يمنع من فيه، ويقال: أحصن الرجل إذا تزوّج، وأحصن إذا أسلم، وأحصن إذا صار حرّا، وأحصن إذا عف، وفي جميع ذلك معنى المنع، فالرجل إذا تزوّج منع نفسه من الزنى، وإذا أسلم منع نفسه من القتل، وإذا عتق فقد منع نفسه من الاستيلاء، والعفيف يمنع نفسه من الفحش.
فمن وروده بمعنى تزوج قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «أحصنت؟» يعني تزوجت.
قال: نعم.
وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن منهم ومن لم يحصن».
ومن وروده بمعنى أسلم قوله: {فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ} ومن وروده بمعنى الحرية قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ}.
ومن وروده بمعنى العفاف قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ} [النور: 4].
والمراد بالمحصنات في الآية المتزوجات، فهي تحرّم ذوات الأزواج، واستثنى المملوكات، وقد استشكل هذا الاستثناء، فإنّ ذوات الأزواج إذا كنّ من إمائه محرمات على مالكيهن، ولأجل هذا اختلف في تأويل الآية: فذهب بعضهم إلى أن ذلك في بيع الأمة، فهو يقول: حرّمت عليكم ذوات الأزواج إلا ما طرأ على ملكهن ببيع، فيحللن، وذلك لأنّ بيع الأمة طلاقها، فمن باع أمة متزوجه كان ذلك البيع طلاقا لها، وهذا ليس براجح، لأنّ الزواج كما جامع الملك السابق يجامع الملك الطارئ، وقد ورد أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خيّر بريرة لما بيعت، ولو كان بيعها طلاقها لما خيّرها.
وقيل- وهو المختار- إنّ ذلك في حق المسبيات إذا كنّ ذوات أزواج، فهو يقول: وحرّم عليكم ذوات الأزواج إلا ما ملكتموهن بسبي، فسباؤكم إياهنّ هادم لنكاحهن.
ويؤيد هذا ما ذكر في سبب نزول الآية.
روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث جيشا إلى أوطاس، فلقوا عدوا، فقاتلوهم، فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا، وكأنّ ناسا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تحرّجوا من غشيانهن من أجل أزواجهنّ من المشركين، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} أي فهنّ حلال لكم إذا انقضت عدتهن. فتضمّن هذا الحكم إباحة وطء المسبية بالملك، وإن كان لها زوج من الكفار.